رأي الشيخ محمد عبدالله الإمام احد مشايخ السنة في اليمن
فتوى في حكـم القات
القات أكله وزراعته وبيعه وشراؤه وإهداؤه حرام وذلك للأدلة والأسباب التالية:
أولا: الدليل من القرآن:
قدجاءت الأدلة الواضحة في بيان خبث القات وتحريمه ومن ذلك قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) ، فذِكْر تحريم الخبائث في مقابل تحليل الطيبات يفيد أن كل خبيث حرام سواء كان في المأكل أو المشرب أو النكاح أو غير ذلك ، والله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية أن نبينا يحرّم ما فيه الضرر والخبث ، فلم يحرّم علينا نبينا شيئا هو طيّب من كل الجهات ، وتحريم الشيء إما أن يكون لذاته أو لغيره . أما الحرام لذاته: فهو كلحم الخنزير والخمر وما أشبه ذلك .والحرام لغيره: كقوله (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنّ مسجدنا) هذا الحديث متواتر ، فالتحريم هنا للرائحة الحاصلة من أكل هذه الشجرة - أي البقول والكراث والثوم والبصل - بسبب مؤاذاة الناس ومؤاذاة الملائكة في بيوت الله.
والقات لا يخرج عن كونهم حرّماً لذاته أو محرّماً لغيره ، وبعض الناس يقول: ليس هنالك آية ولا حديث يعيّن تحريمه!!, فيقال : الآية شاملة لتحريم كل خبيث وبالذات أن الله ذكر الخبيث في مقابل المباح الطيب ،
وقد قال جمعٌ من العلماء بعموم الآية في التحريم وهذا هو الظاهر ، ولقد سمعنا كثيراً من آكلي القات يعترف بخبث القات ولا تجد أحداً يقول عن القات إنه طيّب إلا إذا كان مكابراً ،
فإذا كان ضرره ظاهرا للخاص والعام فما هو العذر لمن لميقل بتحريمه؟ إذ أن العبرة بعموم الألفاظ والأخذ بظواهرها ، وهذا هو المتعيّن هنا. ولو جئنا نقارن بين شجرة القات وبين المأكولات الطيّبة النافعة الأخرى التي أباحها الله وأحلها لنا لوجدنا أن المباحات والطيبات ليس فيها ضرر بخلاف القات فإن فيه من الأضرار والمفاسد ما الله به عليم , فهل هذا إلا دليل على تحريمه؟
ومن جهة ثانية نجد أشياء محرّمة في الشريعة وضررها أقل من ضرر القات بكثير مثال ذلك: ثمن الكلب كما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود وهو متواتر فقد جاء عن عدة من الصحابة، ويستثنى من ذلك الكلب المعلَّم ، وكمثل تحريم بيع الشاة باللحم ، وكتحريم النجش وهو الزيادة في السلعة ممن لم يرد شراءها ، فهذه وأمثالها أضرارها قليلة وهي محرّمة، وكلما كثر الخبث اشتد التحريم كما في حديث هلاك العرب في الصحيحين وفيه: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) والقات ما يأتي من يوم إلا وشرّهيزيد، فلذا يقال إن القات بسبب زيادة أضراره على الفرد وعلى المجتمع ودخوله في عدادالخبائث فهو حرام.
ثانيا: الدليل من السنة:
قال الرسول عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) وقدجاء هذا الحديث عن ثمانية من الصحابة وهو صالح للاحتجاج ، وقوله: (لاضرر) إخبار وهو أبلغ مما لو قال: لا تضرّوا، وهذا الحديث قاعدة عامة تبنى عليها مسائل فقهية كثيرة لاتحصى ولا تعد إذ أن قوله (لاضرر ولا ضرار ) أي لا تضروا بأنفسكم ولا تضروا بغيركم ، وأفاد الحديث أن كل شيء يضر بالنفس أو يضر بالغير فهو محرّم إلا ما خصهالدليل، وقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والبيهقي وغيرهم عن أم سلمة أن النبي (نهى عن كل مسكر ومفتّر) - لفظة (ومفتّر) تفرد بها شهر وفيه ضعف.
وبقيت أدلة أخرى من القرآن والسنة لم أذكرها هنا لما في الأدلة السابقة من الوضوح والبيان وحتى لا تطول الفتوى وكما يقال: الحليم تكفيه الإشارة والبليد لاتكفيه غرارة.
ومن الأسباب التي تجعل القات محرّماً ما يلي:
1- شجرة القات فيها مادة مخدرة كما قرر ذلك المؤتمر العربي لشؤون المخدرات في دورته الخامسة عام 1969م بأن هذا النبات مخدر ومضغ أوراقه منعش ومنبّه وأنه يمدد حدقة العين ويهيّج الجهاز العصبي المركزي ، كما قرر المؤتمر الإسلامي لمكافحة المسكرات والمخدرات المنعقد بالمدينة النبوية عام 1400هـ تصنيف القات ضمن قائمة المخدرات (انظر كتاب القات للمرزوقي ص 304، 309), والواقع شاهد بذلك – أن فيه تخديراً – فإن آكل القات يشعر بحيويّة ونشاط أثناء التّخزين ويظل الساعات الطوال وهو جالس على هيئة واحدةولا يتعب ، وبعد الانتهاء من أكل القات يشعر بالإرهاق والتعب والضيق.
2- ثبوت أضراره وهي على قسمين : عامة وخاصة:
الأمر الأول : الإضرار باقتصاد البلاد:
حيث إن زراعة القات صارت تشمل أكثر الأراضي الزراعية التي كانت تزرع الحبوب بجميع أنواعها , وكانت اليمن في اكتفاء ذاتي بالنسبة لجميع الحبوب ، فلما زرع القات واتسعت زراعته على حساب الزراعات الأخرى صار الشعب عالةً على الدول الأخرى وخاصةالغربية في استيراد القمح والدقيق وما أشبه ذلك، ولو منعت هذه الدول التصدير لسبب أو لآخر , لمات الشعب جوعاً لأن بعض البيوت لايوجد فيها غالباً إلا القليل من القمح أو الدقيق سرعان ما ينفد خلال أيام معدودة , وهذا هو الواقع ، وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها ،
ولاشك أن من أعظم الإهانات التي تقوم بها الدول الكبرى على الدول الصغرى والشعوب هي المحاربة لها في أرزاقها وبالذات في لقمة العيش ، وبذلك نصبح لقمةً سائغةً بيد أعدائنا , ولا ننسى أن أعداءنا يقومون بتنفيذ خططهم وأفكارهم في بلادنا ويرغمون حكّامنا على قبوله او تنفيذها بسبب شدة حاجتنا إليهم للقمة العيش ، وكذلك البلاد تستورد هذه المواد بالعملة الصعبة (الدولار) وتنفق مئات الملايين من العملة المحلية في مقابل حفنة قليلة من الدولارات وهذه من أعظم الأضرار على الاقتصاد وعلى الشعب نفسه. فنصيحتنا للشعب وللدولة أن يبادروا بقلع هذه الشجرة الخبيثة من جميع الأراضي الزراعية في أنحاء اليمن واستبدالها بالزراعات الطيّبة النافعة كالحبوب والخضروات والفواكه وغيرها ، وبحمد الله الأراضي الزراعية في اليمن من أخصب الأراضي الزراعية في العالم ومحاصيلها وثمارها من أجود المحاصيل والثمار في العالم والواقع يشهد بذلك.
الأمر الثاني : ضياع الأوقات وقلة الإنتاج:
حيث إن آكلي القات يضيّعون الساعات الطويلة في أكل القات فيضطرّون إلى التوقف عن أعمالهم في الغالب وإن كانت مهمة , لأنهم لا يجدون لذة أكل القات إلا إذا كانوا جلوساً ، فلو قدّرنا أن عدد سكان اليمن أربعة وعشرون مليوناً وأن عدد آكلي القات عشرة ملايين - على أقل تقدير- وأن كل فرد يضيّع ساعتين فقط من ساعات النهار مع العلم أن الغالب على الذين يأكلون القات أنهم يضيّعون أكثر من ذلك، بل بعضهم يأكل القات من بعد الظهر إلى بعد العشاء وبالذات في الولائم والأعراس والمهرجانات وما أشبه ذلك ، فلو ضربنا ساعتين في عشرة ملايين فالناتج عشرون مليون ساعة يوميا تهدر بدون إنتاج وبدون أي فائدة تعود على الفرد أو على المجتمع , فهل يجوز لهذا المجتمع أن يضيّع كل هذه الأوقات وهذه الأعمار في يوم واحد؟ فما بالك بمرور الشهور والسنين على هذه الحالة بل والعمر كله!!. وبضياع هذه الأوقات تضيع حقوق كثيرة ـ حقوق لله وحقوق للمجتمع ـ فأي عاقلٍ يرضى بهذا؟!
الأمر الثالث : انتشار الفقر وزيادة الفوارق بين الناس:
من المعروف أن أغلب الشعب من ذوي الدخل المحدود, والقليل هم الأغنياء وأصحاب الأموال , ومع ذلك تجدأن أكثر مدمني القات يحرمون أبناءهم من القوت الضروري من أجل شراء القات ، ومهما تحصل الشخص على أموال فإنه ينفق أكثرها في شراء القات ، بل بعضهم قد تتراكم عليهم الديون بسبب شراء القات وبذلك تعيش الأسرة في فقر مستمر .أما اتساع الفارق بين طبقات المجتمع فهو واضح فتجد أن الذين يزرعون القات أو يبيعونه ويتحكمون في سعره هم من أغنى الناس وأن معظم الأموال تصير في أيديهم ، وبالمقابل نجد أن معظم مدمني أكل القات هم من أفقر الناس ومن أبأسهم وبهذا يختل التوازن في المجتمع وتنتشر العداوة والبغضاء والحقد والحسد,وبالتالي تكثر المشاكل بين الناس والحروب ولا حول ولا قوةإلا بالله.
الأمر الرابع : انتشار الرشوة والسرقة والغش والكذب وضياع الحقوق:
من المعلوم أن أكبر سبب لوجود الرشوة في بلادنا هو وجود القات فالعامل أو الموظف صاحب الدخل المحدود إذا لم يجد حق القات اضطر لأخذ الرشوة من أجل شراء القات ، وبهذا تضيع حقوق الناس وينتشر الفساد ؛ كذلك نجد أن بعض المدمنين على أكل القات والذين لا يجدون أعمالاً قد يلجئون إلى السرقة من أجل الحصول على قيمة القات والعياذ بالله، ومنهم من يكتب أحكاما وبصائر مزورة ، ومنهم من يغش ويحلف الأيمان الفاجر ة ، ومنهم من يأكل مال اليتيم ، ومنهم من يسلب حق المسكين ، ومنهم من يقع في البدع كقراءة القرآن على الأموات وغيرها من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كل ذلك من أجل شراء القات ، وبهذا تؤخذ أموال الناس بدون حق وتنتشر هذه المعاصي في المقدمة في المجتمع والسبب هو القات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
يتبع...